الجمعة، 5 مايو 2017

ديموقراطيتهم..وصندوقراطيتنا وكاكى قراطيتنا وباقى قراطياتنا

ها هو أردوغان يُتهم بالديكتاتورية الصندوقراطية، وهو اتهام مقصور حصرياً على أصحاب التوجه الإسلامي؛ إذ يأخذ عليهم خصومهم الاكتفاء من الديمقراطية بآلية صندوق الانتخابات للانفراد بالحكم وقمع المعارضين والتوسع في صلاحيات السلطة.

منذ عقود، دارت الشكوك دائماً حول انتهاج الإسلاميين أسلوب “ديمقراطية المرة الواحدة”؛ بمعنى استخدام الديمقراطية للوصول للحكم ثم إلغائها ومحوها من بعد الاستئثار بالسلطة..

والكثير من الإسلاميين -جماعاتٍ وكيانات وأفراداً- بالفعل، يبثون الرعب في قلوب الناس من منهج حكم “ثيوقراطي”.

من ذا الذي يريد أن يحيا في مجتمع تديره جماعة تدّعي أنها الحاكمة بأمر الله، معارضوها في عداد الكفرة؟! كل حركة حرة وكل كلمة خارجة عن السياق في ذلك المجتمع، يُمكن أن تُؤَوَّل وتُفسر بأنها خروج عن الدين؟!

حتى إن المتدينين في مثل تلك الدولة سيكفِّر ويفسِّق بعضهم بعضاً، وسيتناحرون حول “التعريفات” و”التفسيرات” و”التطبيقات” الصحيحة لكل نص شرعي، كما يحدث الآن بين فرق الإسلاميين وبين بعضها وبعض، وما عاينّاه بأنفسنا في بعض البلاد التي وصلوا فيها للحكم.

صحيحٌ جداً أن بعض الإسلاميين آمنوا بالحريات وحقوق الآخر وتبنَّوا تفسيرات للشريعة تتوافق مع العصر. لكن، ما زالت هناك فجوات كثيرة في التطبيق، ولا توجد فواصل واضحة حاسمة بين الآيديولوجيات المتباينة داخل الإطار الإسلامي نفسه.

خصوم الإسلاميين من العلمانيين أضل سبيلاً.. خذ عندك مثالاً: أردوغان، وهو النموذج الإسلامي الأقرب للعلمانية، كل من يتهمون أردوغان بالديكتاتورية الآن، بلا استثناء، ينتمون إلى فئة “الكاكي قراط”، والكاكي قراطية هي حكم العسكر.

هات لي واحداً منهم، شخصاً أو كياناً، لم يساند انقلاباً عسكرياً في وقتٍ ما ومكانٍ ما.
أمُّ المساخر أن يهزمك الصندوق، فتساند انقلاباً عسكرياً على الصندوق، ثم تتهم حاكماً مدنياً بالديكتاتورية لأنه يكتفي من الديمقراطية بالصندوق!

نعم.. الديمقراطية ليست مجرد صندوق، ولكنها تبدأ وتنتهي في الصندوق، ومع الصندوق حزمةٌ كاملة من المفاهيم:
• حقوق الأقلية
• نزاهة الانتخابات
• تداول السلطة
• الفصل بين السلطات
• التعددية السياسية
• حرية التعبير
• الشفافية والرقابة ومكافحة الفساد
• مجتمع مدني قوي

يتطلب استيعاب هذه المعالم (ناهيك بتطبيقها) نضوجاً عالياً في البيئة التي تسود فيها الديمقراطية.. نضوجاً قائماً على التجربة والتراكم.. نجرب ونخطئ فنتعلم.. ومع مرور الزمن، يتحول التعلم إلى ممارسة تتوارثها الأجيال، التي تدرك تماماً فداحة ما يدفعه الناس نتيجة الاستبداد والقهر والصراع على السلطة.

في البيئة الديمقراطية المثالية، تغلب هذه الممارسة على الحياة؛ في البيت والمدرسة والسوق والمصنع قبل الحزب والبرلمان والقصر الرئاسي وصندوق الانتخابات. وقد استغرقت الشعوب الغربية قروناً من الدماء لكي تصل لدرجة معتبرة من هذا النضوج.

لا يعني هذا أن الديمقراطية هي الحل السحري أو الدواء الناجع لبلادنا المريضة من كل إخفاقاتها، فكما قال ونستون تشرشل، السياسي الأشهر في أعرق الديمقراطيات: “الديمقراطية هي أسوأ شكل للحكم.. إذا ما استثنينا الأشكال التي جُرِّبت من قبلُ”.

وفى مأثور آخر يقول: “حوار مدته 5 دقائق مع الناخب المتوسط يغنينا عن ذكر مساوئ الديمقراطية!”.
وفى مثال آخر شائع، يشبّه بعض السياسيين الديمقراطية بذئبَين وحَمَل يصوتون أيهم أنسب لوليمة العشاء.

أستطيع أن أعدد عيوباً عشرةً على الأقل للديمقراطية:
– الديمقراطية تجعل لرأس المال كلمة عليا في اختيار من يحكم الناس وكيف يحكمهم.

– الديمقراطية تساوي بين الناس في حق الاختيار رغم اختلافهم في العلم ورجاحة العقل والأهلية والصلاح وسائر القدرات.

– الديمقراطية تتيح تكوين (لوبيات) أو جماعات ضغط تؤثر على القرار السياسي إلى درجة الانحراف.

– الديمقراطية تعني حكم الأغلبية، والأغلبية ليست دائماً على صواب.

– الديمقراطية تعني حكم الأغلبية؛ أي إجبار الأقلية على ما لا ترضى.

– الديمقراطية تسمح برشى انتخابية، إن لم تكن مادية يجرّمها القانون، فمعنوية فوق حكم القانون.

– الديمقراطية تشجع ترجيح المصالح الفئوية على المصلحة العامة.

– الديمقراطية تفرض عليك الرضا ببرنامج الحزب المنتخب كـ”حزمة” واحدة، بينما قد تكون مع بعض فقرات البرنامج وضد البعض الآخر.

– الديمقراطية تعني واحداً من عدة خيارات قد تكون كلها سيئة.

– الديمقراطية تكتفي بتصحيح مسارات الحكم في صندوق الانتخابات كل بضع سنوات، ولا تصححها أولاً بأول.

على الرغم من كل ما سبق، لم يجرب البشر حتى الآن شكلاً للحكم أفضل من الديمقراطية..
التزام الديمقراطية لا يعني بالضرورة التزام نسخٍ طبق الأصل من الديمقراطيات الغربية؛ فالديمقراطيات تختلف من بيئة لأخرى حسب المنظومة القيمية لكل شعب من الشعوب، الديمقراطية في ماليزيا وإندونيسيا غيرها باليابان، غيرها في تركيا، غيرها بأميركا الجنوبية، غيرها في فرنسا غيرها بالولايات المتحدة..

في بعض الدول، الديمقراطية لصيقة بالعلمانية والليبرالية، وفي دول أخرى لا يشترط هذا،
حتى مفاهيم العلمانية والليبرالية لا يوجد اتفاق عليها بين المجتمعات، وأحياناً في داخل المجتمع الواحد.

كذلك، يخطئ البعض في تصوير الديمقراطية بوصفها منظومة “أخلاقية”، فيتبارون في الاستشهاد بالممارسات البغيضة للدول الديمقراطية وحكامها كمبرر لرفضها. والحقيقة أن الديمقراطية منظومة “مصلحية” تفرضها القوى المتكافئة في مجتمعٍ ما؛ لانتزاع الحقوق والحريات، وللحد من الصراعات والاقتتال والقمع والاستبداد.. ولا يشترط أن تتمتع أي من هذه القوى بمكارم الأخلاق، إلا تلك المكارم التي تفرضها قوة القانون والمنظومة القيمية التي تحكم المجتمع، بمعاييرهم أهل ذلك المجتمع، لا بمعاييري ولا بمعاييرك.

تستطيع أن ترفض الديمقراطية كما تريد، وتستطيع أن تنتقي منها ما يحلو لهواك ومصالحك. ولكن، تذكَّر أن ذلك كان خيارك عندما تجتاحك “… قراطية” التخلف والظلام والبؤس والقهر القادمة..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

The post ديموقراطيتهم..وصندوقراطيتنا وكاكى قراطيتنا وباقى قراطياتنا appeared first on الامل نيوز.



from الامل نيوز http://ift.tt/2phhIAw
via IFTTT

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق